الأربعاء، 23 سبتمبر 2015

خطبة عيد الأضحى 1436 هـ

الخطبة الأولى: معاشر المسلمين: قال صلى الله عليه وسلم:(إنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ ) فأعظم أيام الدنيا عند الله يوم عيد الأضحى- يوم النحر- ويوم القر، هو أول أيام التشريق حيث يقر الحجيج في منى بعد أدائهم لأعمال اليوم العاشر من الرمي والذبح والحلق والطواف والسعي.

ففي يوم النحر تجتمع عبادتان من أجلِّ العبادات وهي عبادة الصلاة وعبادة النحر، وقد جمعهما الله سبحانه في آية واحدة فقال :"فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ" فالصلاة صلاة العيد والنحر نحر الأضاحي.

والحكمة من مشروعية ذبح الأضاحي هو إقامة ذكر الله وتحقيق التقوى بامتثال الأمر قال تعالى "وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ " 

وذبح الأضاحي أفضل من التصدق بثمنها لفعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده فعَنْ أَنَسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ وَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا.أي وضع رجله على أعناقها لئلا تضطرب الأضحية. 

وأفضل الأضاحي الإبل ثم البقر ثم الغنم، وأفضلها أسمنها وأغلاها ثمنا، فعن سَهْل بْن حنيف قال : كُنَّا نُسَمِّنُ الأضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ .
ويُتقى من الأضاحي العوراء البين عورها والعمياء من باب أولى، والعرجاء البين عرجها والذي يمنعها من اللحاق بالسليمة من الماشية، ومن باب أولى التي لا تمشي، والمريضة البين مرضها ، والعجفاء الهزيلة التي لا لحم فيها. قال صلى الله عليه وسلم :لَا يَجُوزُ مِنْ الضَّحَايَا الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي" 

ويشترط في المُضحى به من بهيمة الأنعام بلوغ السن المعتبرة شرعا، فالإبل ما أتمت خمسا ودخلت في السادسة، والبقر ما أتمت سنتان ودخلت في الثالثة، والمعز وما أتمت سنة ودخلت في الثانية.

وتجزئ الشاة الواحدة عن الرجل وأهل بيته، فعن أبي أيوب رضي الله عنه قال: كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته ، فيأكلون ويطعمون" وإذا كانت العائلة كثيرة وهي في بيت واحد فيجزئ عنهم أضحية واحدة ، وإن ضحوا بأكثر من واحدة فهو أفضل .وتجزئ الإبل والبقر عن سبعة.

والسنة أن يذبح المضحي  بنفسه، أو يوكل غيره، فإذا أراد الذبح سمى وكبر، ثم يأكل منها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " كلوا وأطعموا واحبسوا وادخروا" .

أيها المسلمون: اعلموا رحمكم الله أن أعظم ما اعتنى به المعتنون، واهتم به العقلاء المدركون الاهتمام بالعقيدة والتوحيد، إذ بهما تحقيق السعادة في الدارين، والنجاة من الخسران المبين، بعث الله الأنبياء والمرسلين لتقرير الاعتقاد الصحيح بين الناس قال تعالى :" وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" 

وحقيقة التوحيد أن تفرد الله تعالى بجميع أنواع العبادة وأن لا تصرفها لمخلوق كائنا من كان، ولو كان ملكا مقربا، أو نبيا مرسلا، أو وليا صالحا، فمن صرف شيئا من العبادة لهم فقد أشرك،  قال تعالى : "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ "  ، وأبطل الله صرف شيء من العبادة لغيره وأخبر عن عجزهم عن جلب النفع لأنفسهم أو دفع الضر عنها فضلا عن غيرهم فقال : " وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ، إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ " 


أيها المسلمون: عليكم بإتباع سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، ففيها النجاة لمن أراد السعادة في الدارين، وفيها الخلاص من الفتن والاختلاف، قال صلى الله عليه وسلم مبينا ما سيحصل في هذه الأمة من الاختلاف والتفرق ، فقال عليه الصلاة والسلام: مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا" ثم ذكر الدواء فقال :  فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا " فالنجاة في الإتباع الحقيقي لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنة السلف الصالح من الصحابة والتابعين . 

عباد الله: من مقاصد الجهاد الشرعي في الإسلام تحقيق الاستقرار والسلام، وَالدَعَوة لِلْخَيْرِ وَالْوِئَامِ، لأجل إقامة الدين لله، فيعبد الناس ربهم كما أمرهم، قال تعالى : " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ"

ومن مقاصد الجهاد كذلك رد اعتداء المعتدين، والدفاع عن المستضعفين ونصرتهم، قال تعالى: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"

وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالأَخْذِ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ الْمُعْتَدِي، لِمَنْعِ ضَرَرِهِ عَنِ النَّاسِ، فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا». فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ:« تَحْجُزهُ أو تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ». 

والجهاد له شروط منها أن يكون تحت راية الحاكم، فهو الذي يدعو إليه، ويأمر به، فَطَاعَتُهُ آنذاك وَاجِبة مؤكدة، وليس لأفراد الناس أو قادة الجماعات أن يجاهدوا دون إذنه ومشورته، ومتى ما وقع ذلك حصلت الفوضى واختل الأمن كما هو واقع ومشاهد، قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ». 

عباد الله : وإن ما يفعله جنودنا البواسل من قتال المعتدين الظالمين، لمن الجهاد في سبيل الله، فرايته شرعية لأنهم خرجوا بأمر ولي أمرهم، وغرضهم شرعي، وهو الدفاع عن المستضعفين ومنع الظالم من الظلم والأخذ على يده، وإنا لنرجو لمن قتل في تلكم المعارك أن يكون من الشهداء.

وما وقع من القتل فيهم من قبل الأعداء فهو أمر معروف في الحرب ومتوقع، فإما أن تقتل عدوك أو يقتلك فتفوز بالشهادة، وليس بخاف عليكم ما حصل للمسلمين يوم أحد، لما نزل الرماة عن الجبل والتف جيش المشركين على المسلمين في مناورة أدت إلى استشهاد سبعين صحابيا، وجرح النبي صلى الله عليه وسلم، وانقلب الفوز إلى خسارة، ولكن الله سبحانه وتعالى سلاهم وخفف عنهم وعمن بعدهم فقال : "إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ "

أيها المسلمون : من أسباب تحقيق السعادة للعبد تجنب الفتن والخوض فيها قال صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ "، فالفتن عواقبها وخيمة، ففي أول بروزها وبدوِّ ظهورها تشتبه على كثير من الناس، فيرون القبيح حسنا، والباطل حقا،  عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : «إنَّ الفتنة إذا أقبلت شبَّهت، وإذا أدبرت تبيَّنت» .

والفتنة إذا وقعت أصابت بشررها كل أحد  إلا من عصمه الله قال تعالى : وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " فإذا اشتدت عجز أهل العلم والعقل عن إيقافها ، وخطر الفتن على الدين عظيم جدا ،فعن مطرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير قال : «إنَّ الفتنة لا تجيء حين تجيء لتهدي النَّاس ، ولكن لتُقارعَ المؤمنَ على دينه»

ومن خطورة الفتن أن من استشرفها ووقع فيها فإنه يعتقد أنه على سبيل نجاة، وطريق هداية، بينما هو في ارتكاس وانتكاس، كما قال تعالى "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا" فيقدم المفتون على عظائم الأمور، وكبائر الموبقات متقربا لله بزعمه بها.

وإلا فبأي عقل ودين تكفر أمة الإسلام قاطبة من قبل خوارج العصر كالقاعدة وداعش، ولا ينسب للإسلام إلا من دان بالولاء لتنظيمهم وخلافتهم المزعزمة، بل أصبحنا نسمع لفظ التكفير من صغارٍ مراهقين لا يزالون في أحضان والديهم، وبجرأة مقيته.

ألا يعلم هؤلاء المفتونون أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من تكفير المسلم الواحد، فقال: أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ " فكيف بمن كفر أمته وولي أمره بل تطاول الأمر إلى أن كفر والديه.

بأي شرع ودين يفاخر الواحد منهم بقتل أبيه وقرابته متقربا إلى الله بذلك، ألم يعلم هؤلاء ما حذرهم منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ لَأَيَّامًا يَزُولُ فِيهَا الْعِلْمُ , وَيَظْهَرُ فِيهَا الْجَهْلُ وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ فقيل وَمَا الْهَرْجُ؟ , قَالَ: " الْقَتْلُ إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ الْكُفَّارَ , وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا , حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ , وَيَقْتُلَ أَخَاهُ وَأَبَاهُ  وَيَقْتُلَ عَمَّهُ , وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللهِ , وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ؟ , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لَا , تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ , وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ  مِنْ النَّاسِ , لَا عُقُولَ لَهُمْ يَحْسَبَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ , وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ"

بأي شرع دين يلبس أحدهم حزاما ناسفا ويدخل على جماعة يصلون ثم يقتل نفسه منتحرا ليقتل هؤلاء القوم وهم سجود وفي شهر رمضان وفي يوم جمعة .
يقتل نفسه منتحرا ويرجو الجنة وصحبة النبي صلى الله عليه وسلم من وراء ذلك، وقد قال الله تعالى : "وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا" ألا يعلم هذا المفتون أن أهل العلم من أهل السنة والجماعة قاطبة على تحريم هذه العمليات الانتحارية.

للأسف استطاع جهلة الخوارج  ممن زاغت قلوبهم أن يمسخوا عقول هؤلاء الأغمار حتى أصبحوا منقادين لهم انقياد الأعمى لمن يقوده، وكأني بهذه الآية تنطبق عليهم إذ يقول الله تعالى : "وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ، وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ، حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ، وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ، أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ"

ألم تفكر يا أيها الشاب الذي قيل له أن أسهل طريق لدخول الجنة هو ما يسمونه بالعمليات الاستشهادية، لماذا لا يبادر قادة التنظيم بهذه العمليات، ألا يريدون الجنة ، أم أنهم قد استغنوا عنها.

يا معاشر المسلمين : أن أكبر فتنة روج لها الخوارج هي فتنة التكفير إذ بنوا عليها بقية الأحكام ، قال ابن تيمية رحمه الله وهو يتكلم عن الخوارج :" يكفرون بالذنوب، ويكفرون من خالفهم في بدعتهم، ويستحلون دمه وماله، وهذه حال أهل البدع، يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم فيها، وأهل السنة والجماعة يتبعون الكتاب والسنة ويطيعون الله ورسوله؛ فيتبعون الحق، ويرحمون الخلق" 

بالله عليكم يا معاشر العقلاء ألا ينطبق هذا قول ابن تيمية ووصفه على خوارج اليوم من القاعدة وما يسمى بداعش، لقد وافق الوصف الواقع حذو القذة بالقذة.

فكفرت الخوارج في زماننا جميع حكام المسلمين وجنودهم ومن رضي بالعيش تحت ولايتهم، ثم اعتبروا بلادهم أرض كفر توجب الجهاد، حتى قال أحدهم :" إن كفر هذه الحكومات سواء كان كفرا أصليا أم كفر ردة فهو شر من كفر اليهود والنصارى " 

نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ...
فاللَّهُمَّ ارْحَمْ شُهَدَاءَ الْوَطَنِ الأَبْرَارَ، وَأَنْزِلْهُمْ مَنَازِلَ الأَخْيَارِ، وَارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ فِي عِلِّيِّينَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ، يَا عَزِيزُ يَا غَفَّارُ.

الخطبة الثانية : 

أيها المسلمون : من الوصايا النبوية في حجة الوداع قوله صلى لله الله عليه وسلم: " فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ "
وفي هذا التوجيه وصية للرجال بالنساء ، بأن يتقوا الله تعالى فيهن ، فيؤدون حقوقهن التي أوجب الله عليهم، وفيه توجيه للنساء أيضا بحفظ بيتها وزوجها وأن تؤدي ما أوجبه الله عليها من حق له ، وفي تحقيق ذلك استقرار الأسر وحماية المجتمعات  .

يا معاشر النساء : اسعينَ –رحمكنَّ الله – إلى فكاك أنفسكُنُّ من النار، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " وَنَظَرْتُ فِي النَّارِ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ " وقال -صلى الله عليه وسلم- « يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ مِنَ الاِسْتِغْفَارِ فَإِنِّى رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ». فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ قَالَ « تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ "  ، وروى أحمد في المسند قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْفُسَّاقَ هُمْ أَهْلُ النَّارِ. قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَنْ الْفُسَّاقُ ؟ قَالَ النِّسَاءُ. قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَوَلَسْنَ أُمَّهَاتِنَا وَأَخَوَاتِنَا وَأَزْوَاجَنَا ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنَّهُمْ إِذَا أُعْطِينَ لَمْ يَشْكُرْنَ وَإِذَا ابْتُلِينَ لَمْ يَصْبِرْنَ "

والسبيل إلى الخلاص من النار هو أن تأَدينَ حقَّ الله عليكُنَّ بأداءِ ما فرضه الله، وانتهينَ عما نهاكُنَّ عنه تَكنَّ من أهل الفوز والسعادة قال صلى الله عليه وسلم (إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ ) .

أختي المسلمة : اعلمي أن سبب نهضة الأمة هو قرارك في مملكتك وهو بيتك، والتزامك بحجابك وحشمتك، فإن فعلت ذلك فقد صُنتِ المجتمع من فتنة عمياء صماء مهلكة، قال عليه الصلاة والسلام: ألا فاتَّقوا الدُّنيا، واتَّقوا النساءَ، فإنَّ أولَ فتنةِ بَني إسرائيلَ كانتْ في النساءِ "

وإياك والتبرج فإنه سبب للعذاب قال صلى الله عليه وسلم: صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا : نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلاَتٌ مُمِيلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَمْثَالِ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ

ولتؤدي المرأة حق زوجها عليها فإنه من أعظم الحقوق بعد حق الله تعالى قال صلى الله عليه وسلم:وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَة حَقَّ رَبّهَا حَتَّى تُؤَدِّي حَقَّ زَوْجهَا وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسهَا وَهِيَ عَلَى قَتَب لَم ْتَمْنَعهُ " ، وفي رواية  : ولا تجد امرأة حلاوة الإيمان حتى تؤدي حق زوجها.."

 واصبري على زوجك فإنه من نعم الله عليك ، ولا تكثري من طلب الطلاق لأتفه الأسباب فإنه من كبائر الذنوب والموبقات قال صلى الله عليه وسلم: أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلاَقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ لَمْ تَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ "

  وأنت أيها المسلم، يا من جعلك الله وليا على هذه المرأة، أبا كنت أو زوجا أو أخا، فإنك مأمور بوقاية نسائك ومن هم تحت ولايتك من النار بتأديبهم وتعليمهم أمور الدين وحملهم عليها قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ، ثم ستحاسب على ذلك بين يدي الله قال صلى الله عليه وسلم: إن الله سائل كل راع عما استرعاه: أحفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق