الخميس، 3 سبتمبر 2015

خطبة الجمعة : الوصية بالسنة - مبادرة عونك يا يمن

الخطبة الأولى : أيها المسلمون اعلموا رحمكم الله أن الله عز وجل قد امتنَّ على عباده ببعثة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي أخرجهم الله به من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام وهدايته، قال الله سبحانه وتعالى :" رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ" ، ولأجل ذلك أوجب الله على الناس طاعتَه ولزومَ سنته وهديه، لأنه وحي يوحى من ربه، يهدي إلى صراط الله المستقيم، قال تعالى "وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ " ، وجعل الله النجاة والسعادة لمن أطاعه، قال سبحانه:"وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" ، وقال الإمام الزهري رحمه الله: كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة " ، كما جعل الندامة والخزي لمن عصاه قال تعالى :"وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا " وقال عليه السلام: وجُعل الذل والصغار على من خالف أمري" ، بل جعل الله طاعة رسوله من دلائل الإيمان وعلاماته فقال :"فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " ،  قال المفسر بن كثير: يقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة إنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور ...وينقادون له في الظاهر والباطن.."

أيها المسلمون: لقد جاءت نصوص الوحيين في الحث على لزوم سنة نبينا صوات الله وسلامه عليه، فتارة تقرن طاعته بطاعة الله، كما قال سبحانه :"مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا" ، وتارة ببيان جزاء الاتباع وعقوبة المخالفة كقوله تعالى : "وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا"  ، كل ذلك ليؤكد ربنا جل في علاه على وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم وتحريم مخالفته. 

أيها المسلمون: لقد بين لنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن مخالفة سنته سبب للهلاك وحصول الضلال، وأن الالتزام بها سبب لحصول الهداية في الدارين، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إني تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض " وبيان ذلك أن من تمسك بالكتاب والسنة كما جاء بهما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه من أهل النجاة يوم القيامة ، يرد حوض النبي صلى الله عليه وسلم ويشرب منه، ومن أحدث واتبع غير سبيل النبي عليه السلام فإنه يصد عن حوضه ، قال عليه السلام: أَلاَ لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِى كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ أَلاَ هَلُمَّ، فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا " وفي رواية : فَأَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، قَوْمِي ، أَيْ رَبِّ ، أُمَّتِي ، فَيَقُولُ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أْحَدَثُوا بَعْدَكَ ، إِنَّهُمْ كَانُوا يَمْشُونَ بَعْدَكَ الْقَهْقَرِيَّ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، فأقول: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي . 

وتبرأ صلوات الله وسلامه عليه ممن عبد الله على غير ما جاء به من الشرع الحكيم، فقال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكنى أصوم وأفطر وأصلى وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى"

وأخبر صلوات الله وسلامه عليه أن اتباع هديه وسنته سبيل لنجاة الأمة من الفرقة والضعف، فقال : فإنه من يعش منكم فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" 

عن سفيان الثوري رحمه الله : قال : لا يقبل قول إلا بعمل، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة " .

جماعة المسلمين :لقد ضرب صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أورع الأمثلة في شدة اتباعهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من أرسال جيش أسامة وقد ارتدت العرب وأشار عليه أصحابه برد الجيش وعدم إنفاذه فقال : والذي لا إله غيره لو جرت الكلاب بأرجل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما رددت جيشا وجهه رسول الله ولا حللت لواء عقده رسول الله" وكان أثر ذلك عظيما على الدولة الإسلامية بفضل تطبيق هدي النبي صلى الله عليه وسلم. 

وها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول وهو يقبل الحجر الأسود: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك" 

أيها المسلمون: تعلموا هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم في جميع أموركم، فصلوا كما صلى، وحجوا كما حج، وعاملوا أنفسكم وأهليكم وأرحامكم والناس أجمعين كما كان يعاملهم نبيكم صلوات الله وسلامه عليه، قال ابن مسعود رضي الله عنه: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم كل ضلالة" 

ولا تقدموا قول أحد من الناس كائنا من كان على قول نبيكم وهديه وسنته فتضلوا وتهلكوا.


الخطبة الثانية:أيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدَ دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْيَمَنِ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا». وَأَثْنَى عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، فَمَدَحَهُمْ بِرِقَّةِ أَفْئِدَتِهِمْ، وَلِينِ قُلُوبِهِمْ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم :« أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، وَأَلْيَنُ قُلُوبًا، الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ». وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِطَرِيقِ مَكَّةَ إِذْ قَالَ:« يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ كَأَنَّهُمُ السَّحَابُ، هُمْ خِيَارُ مَنْ فِي الْأَرْضِ».

أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: إِنَّ مَكَانَةَ الْيَمَنِ فِي قُلُوبِ أَهْلِ الإِمَارَاتِ كَبِيرَةٌ، فَالْعَلَاقَاتُ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ أَخَوِيَّةٌ مَتِينَةٌ، ، وَإِنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ يَمُرُّونَ هَذِهِ الأَيَّامَ بِمِحْنَةٍ عَصِيبَةٍ، إذ يُعَانُونَ نقْصًا فِي احْتِيَاجَاتِهِمْ، وَفَقْرًا فِي مَوَارِدِهِمْ، وَشُحًّا فِي غِذَاءِ أَطْفَالِهِمْ،  مِمَّا يُؤْلِمُ الْقَلْبَ، وَيُدْمِعُ الْعَيْنَ، وَإِنَّهُ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْنَا أَنْ نَقِفَ إِلَى جَانِبِهِمْ، وَنُسَانِدَهُمْ فِي مِحْنَتِهِمْ، وَنُعِينَهُمْ لِيَتَجَاوَزُوا أَزْمَتَهُمْ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».

عِبَادَ اللَّهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ». 

وَإِنَّ مِنْ تَفْرِيجِ كُرُبَاتِ أَهْلِنَا فِي الْيَمَنِ أَنْ نُسَارِعَ فِي تَلْبِيَةِ احْتِيَاجَاتِهِمْ امْتِثَالاً لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ». أَيْ: عنده زيَادَةِ عَلَى قَدْرِ ْحَاجَته، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هَذَا حُكْمٌ مُسْتَمِرٌّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَتَى وُجِدَتْ حَاجَةٌ وَجَبَتْ مُوَاسَاةُ الْمُحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْكُرُوبِ وَالْمَكْلُومِينَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :« لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ». فَمَنْ أَغَاثَ مَلْهُوفًا، وَقَدَّمَ لَهُ مَعْرُوفًا، وَجَدَ جَزَاءَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مَوْفُورًا، قَالَ سُبْحَانَهُ:( وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا). 

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي، يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي». 

عِبَادَ اللَّهِ: كُونُوا عَوْنًا لأَهْلِكُمْ فِي الْيَمَنِ، وَسَاهِمُوا فِي الإِنْفَاقِ وَالتَّبَرُّعِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى، الَّذِي يُخْلِفُ عَلَيْكُمْ مَا بَذَلْتُمُوهُ، وَيُضَاعِفُ لَكُمْ مَا أَنْفَقْتُمُوهُ، وَيُثِيبُكُمْ بِالْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ، وَالْمَكَانَةِ الْعَالِيَةِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ). وَقَالَ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُتِبَتْ لَهُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ»

وَاقْتِدَاءً بالهدي الشرعي في مثل هذه المواقف ، وَبِتَوْجِيهَاتٍ كَرِيمَةٍ مِنْ صَاحِبِ السُّمُوِّ الشِّيْخ خليفة بن زايد آل نهيان رَئِيسِ الدَّوْلَةِ حَفِظَهُ اللَّهُ أَطْلَقَتْ هَيْئَةُ الْهِلاَلِ الأَحْمَرِ فِي دَوْلَةِ الإِمَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَّحِدَةِ حَمْلَةً كُبْرَى لِدَعْمِ الأَشِقَّاءِ فِي الْيَمَنِ "عونَكَ يَا يَمَنُ" فَعَلَيْنَا أَنْ نُضَافِرَ جُهُودَنَا، وَنُسَاهِمَ بِمَا نَسْتَطِيعُ لِمُسَاعَدَتِهِمْ، حَتَّى نَكُونَ بَلْسَمًا لِلْمَكْلُومِينَ، وَعَوْنًا لِلْمُحْتَاجِينَ. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق